هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، يشرفنا أن تقوم بالتسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب
:˚ஐ˚◦{ <السلام عليكم , عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة منتَدَاكمً يُرَحبُ بكـُمً .. إنً كنتَ تَرغَب في الإنظمَامً إلى أسًرَة المنتَدَى سَنتَشَرَفُ بتَسًجيلَكَ ..تحيَآت إدَارَة منتَدَى اعدادية زاوية البئر:) ♥}◦˚ஐ˚
:˚ஐ˚◦{ آخر عُضو مُسجل هو حسناء فمرحباً به.
♥}◦˚ஐ˚
:˚ஐ˚◦{ <ستجدون هنا دروس الاجتماعيات و بعض المواد الاخرى ) ♥}◦˚ஐ˚
:˚ஐ˚◦{ يمكن للزائر الكريم تسجيل مساهمته في المنتدى ♥}◦˚ஐ˚
:˚ஐ˚◦{ يهنئء السيد مدير المؤسسة تلاميد المؤسسة باحياء هدا المنتدى من جديد ♥}◦˚ஐ˚
مشآرڪآتي : 1434نقاط : 10688 التقييم : 114 تاريخ التسجيل: : 30/03/2011 العمر : 41 مَدينتے : الجــنوب الشرقي
موضوع: البديهة والإرتجال عند العرب السبت 16 فبراير 2013 - 21:32
الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ،، وصلاة وسلاما تامين دائمين متلازمين منه سبحانه علي سيد الأولين والآخرين ، خاتم الأنبياء وإمام المرسلين المبعوث رحمة للعالمين ، سيدنا ونبينا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين وعلي التابعين ومن تبعهم علي ملته وسنته إلي يوم يقوم الناس فيه لرب العالمين ، وبــعــــد فهذه أطروحة منتقاة من بطون الكتب ، ومختارة من بين مجتمع السطور ،، عنوانها يشير إلي فحواها من قريب ، دفعني إلي تسجيلها انتمائي وحبي للغتنا العربية ، لغة العظمة والثراء والخلود ، لغة القرآن الكريم ، وقد تفرد أهلها ( العرب ) بها وبعظمتها ، فتربعوا علي عرش البيان ، بل وأقاموا للتنافس في ذلك المحافل المنتظمة الثابتة زمانا ومكانا ،، من مثل سوق عكاظ والمجنة وذي المجاز والمربد ،، وغيرها ،، كذلك تفردت العرب إلي جانب هذا ، بأمر آخر حباها الله تعالي به أيضا ، كان ولايزال جديرا بالذكر والتسجيل والإشارة إليه ببنان الفخر والإعتزاز ، ألا وهو البديهة والإرتجال ،، فإذا ذهبت تبحث عن خاصية البديهة والإرتجال عند مختلف الشعوب والأمم ، هالك أمر عجب ، تستنتج منه تفرد العرب بالبديهة والإرتجال ، وفي هذا يري الجاحظ رحمه الله في [ البيان والتبين ( بياء واحدة على الصحيح )] أن الخطابة صفة مميزة للعرب ، وأنهم تفردوا بها بين الأمم ، وعرفوا بالبديهة والإرتجال ، ولذا فقد حازوا مقام الصدارة في البلاغة ،، وقد لمس ذلك عمرو بن العاص حين سأله معاوية بن أبي سفيان : من أبلغ الناس ؟ فقال : أقلهم لفظا ، وأسهلهم معني ، وأحسنهم بديهة .
وقد أحسن المفكرون والمتأملون حين عزوا مثل هذه الصفات والملكات عند العرب إلي صفاء أجواء بلادهم ، ونقائها ، فضلا عن استعدادهم الفطري الواضح البين في هذا الصدد ، ومن العجيب أن هذا اللون الخاص ، الذي يسجل وقائع وأحداث سرعة البديهة والإرتجال عند العرب لم يأخذ حظه الكافي ــ بصورة خاصة ــ من بين مؤلفات العرب ، علي كثرتها وتنوعها الواضح البين ، فالعناوين التي كتبت تحته قليلة ، وإن شئت فقل نادرة إلي حد كبير ، نسبة إلي غيرها من العناوين الأخري علي وجه العموم ، وعليه ،، فقد يعتبر من النادر أن يفرد للبديهة والإرتجال عند العرب كتاب مستقل ، ومن أجل ذلك ، فوقائع وأحداث البديهة والإرتجال ، لاتجدها إلا فى القليل من السطور ، في ثنايا الكتب والمصنفات ، و بين تلافيف السير والتراجم ، ولايخفاك أن إيراد واقعة تتجلي فيها البديهة والإرتجال عند العرب ، إنما تأتي لذاتها بقصد مرة ، وبغير قصد عدة مرات ، إذ الأمر قد يأخذ طابعا عاما في جملته ، وإذا أتت مثل هذه الواقعة ، كانت ضمن سياق الحديث ، وتبعا لمقتضيات الأحداث،، ولذا فقد تأتي مقتضبة ومختصرة ، تعوزك إلي البحث عن تفصيلاتها في مرجع أو مصدر آخر ، أولاها شيئا من البسط الكافي ، والتفصيل الوافي ،،،،، وهكذا ،
ومع ما في هذا البحث الطريف الشائق النافع الماتع من مشقة واضحة ومتجددة ، إلا أن الظفر بالمطلوب في آخر الأمر يمحوها تماما ، بل وينعكس بدوره علي النفس سرورا بالغا ، لايكاد يصف لذته إلا من مارسه وتعاطاه بنفسه ،،، ثم يتجدد الأمر برمته مرة تلو المرة ،، وهكذا دواليك .
ومع أن وقائع البديهة والإرتجال عند العرب يمكن تحصيلها و الوقوف عليها من بين مايوسم بالطرائف العربية ، إلا أنه أمر يلزمه الوقت الطويل ، والعين البصيرة والإصرار الصادق ، وهذا ما يؤكد علي ما قلناه آنفا من مشقة البحث والإنتقاء وتجددها المستمر والمتتابع ،،
ومن البدهي أن هذه الأطروحة المتواضعة بما تحويه من أحداث تبين وتظهر البديهة والإرتجال عند العرب ، إنما تحقق عدة أمور مجتمعة ،، منها أنها نوع من التأريخ ، زمانا ومكانا وأشخاصا،،
فأنت من واقعة معينة دارت أحداثها بين الأصمعي والرشيد علي سبيل المثال ، تدرك علي الفور معاصرة الرجلين أحدهما للآخر ، ثم من هذه الواقعة تقف علي مستوي الفكر في هذا العصر ، وأيضا مستوي اللغة فيه ، واذهب إلي أبعد من هذا وقل بإمكانية الوقوف علي حالة هذا العصر في كثير من النواحي الإجتماعية بشتي صورها ، اقتصاديا وسياسيا وسلوكيا ودينيا و ،، و ،، الخ . و قد تحصل علي مرادفات لغوية جديدة ، تضيفها إلي ما عندك من مفردات لغوية ، فضلا عن تنشيط وتفعيل ما هو مخزون لديك منها ، وهكذا . وبالإضافة إلي هذا ، تعتبر تجارب السابقين المدونة في الكتب تجاربا مجانية ، لاعرضة فيها للخسائر الواردة ، علي تنوعها وتعددها ، ومن ثم ، فقد يكون تقليدها أو تطبيقها بصورة أو بأخري سببا في الخروج من مأذق كبير يوما من الأيام ،
وأمر آخر قد لايقل شيئا عن هذه الفوائد وغيرها ، ألا وهو تجميعك لشبكة محكمة من خيوط التاريخ ،، يمكنك من خلالها الوقوف علي حدث معين ، وتحقيقه والتثبت منه ، بناء علي هذه الواقعة الصادقة ،، وهو أمر يخدم المصداقية التاريخية من طرف خفي ، ولكن بشكل قوي معتبر، لانقص فيه ، ولامزيد عليه ،،
وإذن فتصفح مثل هذه الأوراق ، وإن بدا منه في ظاهر الأمر قتل الملالة و دفع السأم ، فيما لا إثم فيه عند البعض ، إلا أنه من وجه آخر ذو منافع جليلة أكيدة ، وهو عندنا بيت القصيد ،
ولعلها باكورة لنا في هذا الخصوص ، نأمل بمشيئة الله تعالي وتوفيقه أن تتبعها توالي أخري مما يأذن به الله ويشاء ، ولعلها أيضا دعوة مستترة لأهل العلم والدرس والبحث إلي الكتابة في هذا الباب ، توفية لحقة ، وانتفاعا به في دنيا المعرفة لمن يريد ، في غير مشقة بالغة ، أو جهد جهيد ،
أفرد صاحب العمدة ( ابن رشيق القيرواني رحمه الله ) في البديهة والإرتجال بابا جاء فيه : البديهة عند كثير من الموسومين بعلم هذه الصناعة في بلدنا أو من أهل عصرنا هي الارتجال، وليست به؛ لأن البديهة فيها الفكرة والتأيد ، والارتجال ما كان انهماراً وتدفقاً لا يتوقف فيه قائله، كالذي صنع الفرزدق وقد دفع إليه سليمان بن عبد الملك أسيراً من الروم ليقتله ، فدس إليه بعض بني عبس سيفاً كهاماً ، فنبا حين ضرب به ، فضحك سليمان، فقال الفرزدق ارتجالاً في مقامه ذلك يعتذر لنفسه، ويعير بني عبس بنبو سيف ورقاء بن زهير عن رأس خالد بن جعفر: فإن يك سيف خان أو قدر أبى *** لتأخير نفس حينها غير شاهد فسيف بني عبس وقد ضربوا به *** نبا بيدي ورقاء عن رأس خالد كذاك سيوف الهند تنبو ظباتها *** ويقطعن أحياناً مناط القلائد ولو شئت قط السيف ما بين أنفه *** إلى علقٍ دون الشراسيف جاسد ثم جلس وهو يقول: ولا نقتل الأسرى ولكن نفكهم *** إذا أثقل الأعناق حمل المغارم
وكالذي يروى عن أبي الخطاب عمرو بن عامر السعدي المعروف بأبي الأسد، وقد أنشد موسى الهادي شعراً مدحه به يقول فيه: يا خير من عقدت كفاه حجزته *** وخير من قلدته أمرها مضر فقال له موسى: إلا من يا بائس؟ فقال واصلاً كلامه ولم يقطعه: إلا النبي رسول الله؛ إن له *** فخراً، وأنت بذاك الفخر تفتخر ففطن موسى ومن بحضرته أن البيت مستدرك ، ونظروا في الصحيفة فلم يجدوه ، فضاعف صلته.
وأعظم ارتجال وقع ،، قصيدة الحارث بن حلّزة بين يدي عمرو بن هند ، فإنه يقال: أتى بها كالخطبة ، وكذلك قصيدة عبيد بن الأبرص ، وقيل: أفضل البديهة بديهة أمن، وردت في موضع خوف، فما ظنك بالارتجال وهو أسرع من البديهة ؟
وكان أبو نواس قوي البديهة والارتجال ، لا يكاد ينقطع ولا يروي إلا فلتة، روى أن الخصيب قال له مرة يمازحه ، وهما بالمسجد الجامع: أنت غير مدافع في الشعر، ولكنك لا تخطب ، فقام من فوره يقول مرتجلاً : منحتكم يا أهل مصر نصيحتي *** ألا فخذوا من ناصحٍ بنصيب رماكم أمير المؤمنين بحية *** أكولٍ لحيات البلاد شروب فإن يك باقي سحر فرعون فيكم *** فإن عصا موسى بكف خصيب ثم التفت إليه وقال: والله لا يأتي بمثلها خطيب مصقع فكيف رأيت ؟ فاعتذر إليه وحلف : إن كنت إلا مازحاً.
وسمعت جماعة من العلماء يقولون: كان مسلم بن الوليد نظير أبي نواس، وفوقه عند قوم من أهل زمانه في أشياء، إلا أن أبا نواس قهره بالبديهة والارتجال، مع تقبض كان في مسلم وإظهار توقر وتصنع، وكان صاحب روية وفكرة ، لا يبتده ولا يرتجل.
وكان أبو العتاهية فيما يقال أقدر الناس على ارتجال وبديهة ، لقرب مأخذه ، وسهولة طريقته ،،، اجتمع عدة من الشعراء فيهم أبو نواس؛ فشرب أحدهم ماء ، ثم قال: أجيزوا: برد الماء وطابا ،، فكلهم تلعثم ، حتى طلع أبو العتاهية ، فقال: فيم أنتم ؟ فأنشدوه ، فقال ارتجالا وما تروى: حبذا الماء شرابا فأتى بالقسيم رسلاً شبيهاً بصاحبه ، وذلك هو الذي أعوز القوم ، لا وزن الكلام.
وصحب رفقة ، فسمع زقاء الديوك ، فقال لرفيقه : هل رأيت الصبح لاحا ؟ قال: نعم قال:وسمعت الديك صاحا. قال: نعم قال: إنما بكى على المغ ... تر بالدنيا وناحا فاستيقظ رفيقه للكلام أنه شعر ، فرواه ؛ فما جرى هذا المجرى فهو ارتجال.
وأما البديهة ، فبعد أن يفكر الشاعر يسيراً ويكتب سريعاً ، إن حضرت آلة ، إلا أنه غير بطيء ولا متراخ ، فإن أطال حتى يفرط ، أو قام من مجلسه ، لم يعد بديهاً. وقالوا: اجتمع الشعراء بباب الرشيد، فأذن لهم ، فقال: من يجيز هذا القسيم وله حكمه ؟ فقالوا: وما هو يا أمير المؤمنين ؟ قال: الملك لله وحده فقال الجماز: وللخليفة بعده وللمحب إذا ما *** حبيبه بات عنده فقال: أحسنت، وأتيت على ما في نفسي، وأمر له بعشرة آلاف درهم.
ومن عجيب ما روي في البديهة حكاية أبي تمام حين أنشد أحمد بن المعتصم بحضرة أبي يوسف يعقوب بن إسحاق بن الصباح الكندي ، وهو فيلسوف العرب: إقدام عمرو، في سماحة حاتم *** في حلم أحنف في ذكاء إياس فقال له الكندي: ما صنعت شيئاً، شبهت ابن أمير المؤمنين وولي عهد المسلمين بصعاليك العرب، ومن هؤلاء الذين ذكرت؟ وما قدرهم؟ فأطرق أبو تمام يسيراً، وقال: لا تنكروا ضربي له من دونه *** مثلاً شروداً في الندى والباس فالله قد ضرب الأقل لنوره *** مثلاً من المشكاة والنبراس فهذا أيضاً وما شاكله هو البديهة ، وإن أعجب ما كان ، البديهة من أبي تمام ، لأنه رجل متصنع، لا يحب أن يكون هذا في طبعه. وقد قيل: إن الكندي لما خرج أبو تمام قال: هذا الفتى قليل العمر، لأنه ينحت من قلبه ، وسيموت قريباً . فكان كذلك.
وقد كان أبو الطيب كثير البديهة والارتجال، إلا أن شعره فيهما نازل عن طبقته جداً، وهو لعمري في سعة من العذر، إذ كانت البديهة كما قال فيها ابن الرومي: نار الروية نار جد منضجة *** وللبديهة نار ذات تلويح وقد يفضلها قوم لسرعتها *** لكنها سرعة تمضي مع الريح
وقال عبد الله بن المعتز: والقول بعد الفكر يؤمن زيغه *** شتان بين روية وبديه
ومن الشعراء ،، من شعره في رويته وبديهته سواء عند الأمن والخوف؛ لقدرته ، وسكون جأشه وقوة غريزته ، كهدبة بن الخشرم العذري، وطرفة بن العبد البكري، ومرة بن محكان السعدي؛ إذ يقول وقد أمر مصعب بن الزبير رجلاً من بني أسد بقتله: بني أسد إن تقتلوني تحاربوا *** تميماً، إذا الحرب العوان اشمعلت ولست وإن كانت إلى حبيبة *** بباك على الدنيا إذا ما تولت وهذا شعر ، لو روي فيه صاحبه حولاً كاملاً ، على أمن ودعة وفرط شهوة ، أو شدة حمية ، لما أتى فوق هذا. وكذلك عبد يغوث بن صلاءة ، إذ يقول في كلمة طويلة: أقول وقد شدوا لساني بنسعة *** أمعشر تيم أطلقوا من لسانيا فيا راكباً إما عرضت فبلغن *** نداماي من نجران أن لا تلاقيا وكانوا قد شدوا لسانه ، خوفاً من الهجاء، فعاهدهم ، فأطلقوه لينوح على نفسه ، فصنع هذه القصيدة ، وعرض عليهم في فدائه ألف ناقة ، فأبوا إلا قتله، فقال: فإن تقتلوني تقتلوني بخيركم *** وإن تطلقوني تحربوني بماليا وهذه شهامة عظيمة وشدة.
ومن قول طرفة بن العبد لما أيقن بالموت: أبا منذر كانت غروراً صحيفتي *** ولم أعطكم بالطوع مالي ولا عرضى با منذر أفنيت فاستبق بعضنا *** حنانيك بعض الشر أهون من بعض
وأين هؤلاء من عبيد بن الأبرص ، وهو شيخ الصناعة ، ومقدم في السن على الجماعة ،،، إذ يقول له النعمان يوم بؤسه: أنشدني، فقال: حال الجريض دون القريض، قال: أنشدني قولك: أقفر من أهله ملحوب *** فالقطبيات فالذنوب فقال: لا، ولكن: أقفر من أهله عبيد *** فاليوم لا يبدي ولا يعيد فبلغت به حال الجزع إلى مثل هذا القول ، على أن في بيت طرفة بعض الضراعة.
وممن وجد نفسه عند إحاطة الموت به تميم بن جميل؛ فإنه القائل بين يدي المعتصم ، وقد قدم السيف والنطع لقتله: أرى الموت بين النطع والسيف كامناً *** يلاحظني من حيث ما أتلفت وأكبر ظني أنك اليوم قاتلي *** وأي امرئ مما قضى الله يفلت وأي امرئ يدلي بعذر وحجة *** وسيف المنايا بين عينيه مصلت يعز على الأوس بن تغلب موقف *** يسل علي السيف فيه وأسكت وما حزني أني أموت وأنني *** لأعلم أن الموت شيء مؤقت ولكن خلفي صبية قد تركتهم *** وأكبادهم من حسرة تتفتت كأني أراهم حين أنعى إليهم *** وقد خمشوا تلك الوجوه وصوتوا فإن عشت عاشوا خافضين بنعمة *** أذود الردى عنهم وإن مت موتوا فكم قائل: لا أبعد الله داره *** وآخر جذلان يسر ويشمت فعفا عنه المعتصم ، وأحسن إليه، وقلده عملاً.
وعلي بن الجهم هو القائل وقد صلب عرياناً: لم ينصبوا بالشاذياخ عشية ال *** اثنين مغموزا ولا مجهولا نصبوا بحمد الله ملء عيونهم *** حسناً، وملء قلوبهم تبجيلا ما ضره أن بزّ عنه لباسه *** فالسيف أهول ما يرى مسلولا وهذا من جزل الكلام، لا سيما في مثل ذلك المقام، وكان علي من الفضلاء علماً بالشعر وصناعة له.
حكي عن علي بن يحيى أنه قال: كنت عند المتوكل إذ أتاه رسول برأس إسحاق بن إسماعيل ، فقام علي بن الجهم يخطر بين يديه ويقول: أهلاً وسهلاً بك من رسول *** جئت بما يشفي من الغليل برأس إسحاق بن إسماعيل قال المتوكل: قوموا التقطوا هذا الجوهر لا يضيع.
والشاعر الحاذق المبرز إذا صنع على البديهة قنع منه بالعفو اللين، والنزر التافه ، لما فيها من المشقة ، وهو في الارتجال أعذر.
واشتقاق البديهة من بده بمعنى بدأ، أبدلت الهمزة هاء ، كما أبدلت في أشياء كثيرة لقربها منها؛ فقد قالوا مدح ومده، ولهنك تفعل كذا بمعنى لأنك، ومثل ذلك كثير.
والارتجال: مأخوذ من السهولة والانصباب، ومنه قيل: شعر رجل ، إذا كان سبطاً مسترسلاً غير جعد، وقيل: هو من ارتجال البئر ، وهو أن تنزلها برجليك من غير حبل. آهــ
هذا بعض ما قاله ابن رشيق القيرواني في كتابه [ العمدة في محاسن الشعر وآدابه ] .
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : نعم الناصر الجواب الحاضر ، وقال أبو الحسن : أسرع الناس عند البديهة قريش ، ثم بقية العرب ، وأحسن الجواب ما كان حاضرا ، مع أصابة معني ، وإيجاز لفظ ،،
وقال الجاحظ : الأجوبة المسكتة هي أصعب الكلام مركبا ، وأعزه مطلبا ، وأغمضه ذهبا ، وأضيقه مسلكا ،،لأن صاحبها يعجل مناجاة الفكرة واستعمال القريحة ، حيث يروم في بديهته نقض ما أبرم القائل في رويته ، ويفتح ببيانه منغلق الحجة ، ويسد علي خصمه واضح المحجة ، وهو مع ذلك لايدري ما يقرع له ، فيتأهب من أجله ، ولا ما يفجأه من خصمه ، فيقرعه بمثله ، وإذا رأيت العربي يقول ،، فهو إنما يقول من غير أناة ولااستعداد ، جوابا يطبق المفاصل ، وينفذ إلي المقاتل ، كما يرمي الجندل بالجدل ، والحديد بالحديد ، فيحل عراه ،آهـ
وقال ابن الراوندي : وما التصدي للحراب ، ومبارزة الأبطال ، بأصعب من التصدي للجواب لمن أمّك بالسؤال .
ومن نافلة القول وترصيع البيان أن نقرر أمرا طريفا بصدد البديهة ، وهو من قبيل النصح البليغ [[ قل ولا تقل ]] قل : بدهي ،،، ولا تقل بديهي ،، لصحة الأول وخطا الثاني الذي شاع كثيرا بين أدعياء العلم والمتعالمين .