رصاصتين تحذيريتين والثالثة في رجل المشبوه

في الأسابيع الاخيرة تواترت حوادث إطلاق الرصاص من قبل رجال الأمن والدرك ، في مناطق مختلفة من المغرب ، لكن دائما تثار تساؤلات كثيرة عقب هذه الأفعال ، من قبل الرأي العام ، حول ضوابط إطلاق النار بالمغرب، وهل يتوفر حاملو السلاح من رجال الأمن والدرك على تداريب في هذا المجال ، وهل يتم إجراء تحقيقات بعد حوادث إطلاق النار، للتحقق من كونها حالات الدفاع الشرعي أم تهور أو أفعال انتقامية
في الأفلام البوليسية، كلنا يستحضر مشهدا خطيرا تقطع فيه الأنفاس، حين يوجه الشرطي فوهة مسدسه صوب المجرم، وهو ينهره للإنصياع ، مخيرا إياه بين إطلاق النار عليه أو الإستسلام ، وفي كل مرة يتم حسم الموقف حسب خيار المشتبه فيه، إما الإعتقال أو تلقي رصاصات حاسمة ٠ لكن الواقع شئ آخر، وخطورة الموقف يعيشها فقط من جرب إشهار سلاح ناري في وجه مجرم متمرس، توتر عالي و صراخ ، وارتفاع مستوى «الأدرينالين»، في لحظات خاطفة يتعين اتخاذ القرار الحاسم ، إما الإستسلام والإذعان، أو تكون الكلمة الفصل للزناد، تردد رجل الأمن أو عدم تركيزه ، قد يحوله من موقف الأقوى للأضعف، وقد يصاب بجروح بليغة أو يتسبب في إفلات الجاني أو ربما إصابة أحد الأبرياء ٠
فالسلاح الناري والزي الرسمي لم يعودا سدا منيعا أمام التعرض للإعتداءات، وإذا كان المواطن العادي غالبا ما يتحول إلى ضحية، فإن رجل الأمن قد يلجأ إلى سلاحه كملاذ أخير، للدفاع عن نفسه أو زميل له أو سعيا لوقف اعتداء خطير، لكن ما هي المهام التي يصبح فيها استخدام السلاح الناري، أو التهديد باستخدامه ضروريا ومشروعا لتحقيق عمل الشرطي ؟ ولما كان استخدام الشرطي لسلاحه الناري من التدابير القصوى، التي تفرض إجراء تقديرات سريعة، بشأن طابع الخطورة ودرجة التهديد القائم، والأسلوب المناسب للتعامل معه، بشكل يضمن عدم تجاوز الضوابط القانونية، ماهي ضوابط استخدام الأسلحة النارية ؟ حتى لا تتحول العملية إلى إستخدام مفرط للقوة أو مجرد ردود أفعال متهورة أو انتقامية ٠
نيران المسدسات والسيوف
قبل أسبوع من الآن قامت عناصر الدرك الملكي ، بإطلاق النار على شخص في محيط مطار محمد الخامس بالدار البيضاء، الرواية الرسمية أكدت أن دركيا أقدم على استعمال سلاحه خلال عملية لإلقاء القبض على عصابة من خمسة أشخاص بجماعة النواصر، لتجارتهم بالمخدرات، أما بلاغ القيادة العليا للدرك الملكي فقد أفاد أن أحد أعضاء العصابة أقدم على مهاجمة دورية للدرك الملكي حاملا سلاحا أبيضا، وبالرغم من التحذيرات لم يتراجع، ليقدم الدركي بالدفاع عن نفسه وإطلاق رصاصة على مهاجمه أصابته على مستوى الحوض، وقد تم إيقاف عنصر إجرامي إضافي، وحجز كمية من المخدرات وأسلحة بيضاء، فيما تم نقل المصاب للمركز الاستشفائي ابن رشد من أجل تلقي العلاجات، فيما البحث جار عن باقي أعضاء العصابة بعد تحديد هوياتهم٠ و قبل أسبوعين، في مدينة ميسور أصيب سكان حي « إيكلي» بحالة من الهلع والخوف، بعد سماعهم لطلقات نارية مكثفة ومطاردات بالسيارات، وتزامن ذلك مع انقطاع التيار الكهربائي عن هذا الحي، وكانت عناصر الدرك الملكي قامت بإطلاق عيارات نارية، أثناء مطاردتهم لسيارة محملة بالبنزين المهرب من الحدود الجزائرية، وبعد مطاردة هوليودية عمد المهربون إلى إضرام النار في السيارة التي احترقت عن آخرها، الحادث خلف تنقل 4 أشخاص إلى المستشفى، كما تسببت النيران في إحراق الأسلاك الكهربائية العمومية ٠ وقبل الحادثين السابقين، كان جانحين من ذوي السوابق القضائية، يبلغان من العمر حوالي 28 سنة، نشبت بينهما عداوة في السجن، ترجماها في شجار عنيف بالسيوف في قيسارية الحفاري حيث يوجد باعة الذهب، وقد استدعى الموقف تدخل رجل الأمن الخاص بالقيسارية ، كما تزامن ذلك مع ظهور الشرطي في محاولة لتعزيز تدخل رجل الأمن الخاص وحسم الموقف، إلا أن الجانح لم يمتثل، بل حول غضبه نحو الشرطي وأشهر في وجهه سيفا، مهددا إياه بالتصفية إن اقترب منه، فأخرج الشرطي بدوره سلاحه الناري، لكن ذلك لم يردعه، مما اضطر الشرطي إلى توجيه فوهة المسدس بداية نحو الشاب الذي اقترب منه أكثر، فوجهه نحو الأرض وأطلق رصاصة تحذيرية ، عندها فقط فر الشاب إلى وجهة غير معلومة ٠
تداريب الرماية و السلاح الناري
كل شئ يبدأ بالمعهد الملكي للشرطة بالقنيطرة ، منذ العام 1978 تاريخ تاسيسه تلتحق به أفواج من رجال الأمن للتدريب ، بعدما يكونون قد اجتازوا الامتحانات الكتابية والنفسية والطبية، الأفواج الجديدة للأمن تتلقى الدروس النظرية والتطبيقية للتعامل مع الأسلحة، تحت إشراف فرقة من القوات المسلحة الملكية ومكونين من الإدارة العامة للأمن الوطني، وتنصب الدروس عادة حول تفكيك وتركيب وصيانة الأسلحة وفنون الرماية، وهي دروس تلقن بصرامة لإتقان التسديد الدقيق من وضعيات مختلفة ٠ و يتدرب المئات من المتخرجين سنويا على حصص الرماية، التي تكون منذ الوهلة الأولى بإطلاق الرصاص الحي تجاه الهدف، وعادة يتم استعمال الأسلحة الفردية ومسدسات من نوع (سميث) الأمريكي المتطور، كما يتم استخدام البنادق (عيار9 ملم ) لبعض الفرق الخاصة من الأمن، وإن كان جميع رجال الأمن كقاعدة مجبرون على التدرب على استعمال مختلف الأسلحة التي تتوفر عليها المديرية العامة للأمن الوطني . أما في جهاز الدرك الملكي، فيتلقى التلاميذ الدركيون سنتين من التداريب في عدة مراكز (مراكش،الرباط، بنجرير، ابن سليمان ) تكوين يتلقون خلاله كل أشكال التداريب البدنية، واستعمال الأسلحة بحكم طبيعته العسكرية، و يتعلم التلاميذ الدركيون على أيدي خبراء تركيب وتجميع الأسلحة وتفكيك وإعادة الصيانة والإستعمال بالإضافة لتداريب أخرى تهم الجوانب المكيانيكية أو العلمية حسب فروع الدرك الملكي، لكن استعمال السلاح يبقى أمرا مشتركا بين جميع شعب الدرك الملكي ٠ ويخضع حراس الأمن، لتكوين وتدريبات شبه عسكرية، لمدة تسعة أشهر حول تقنيات استعمال الأسلحة، وإنجاح عمل مجموعة التدخل السريع، والمجموعات المتنقلة لحفظ النظام، أما ضباط الشرطة القضائية، فهم يقضون 14 شهرا من التكوين، يدرسون قانون المسطرة الجنائية والقانون الجنائي والعلاقات الدولية، وقانون الإرهاب ، أما ضباط الأمن فيدرسون بشكل خاص القانون العام والقانون الإداري والقانون الدستوري ، وهم عادة يلتحقون بمديرية الاستعلامات العامة ٠
طلقتين تحذيريتين والثالثة تابتة
فيما يبدو كرد فعل استباقي لمواجهة الإعتداءات التي يتعرض لها رجال الأمن، في مختلف الأسلاك والوظائف سارعت وزارة الداخلية على عهد شكيب بنموسى إلى توجيه مذكرة إلى ولايات الأمن، تسمح لرجال الأمن بالدفاع عن النفس عن طريق السلاح الناري في حال التعرض لإعتداء معين أو خطر وشيك ، من قبل شخص ما يحاول استخدام سكين أو أية آلة خطيرة في مواجهة رجال الأمن ، الترخيص الجديد يسمح لرجال الشرطة بعدة طلقات تحذيرية في الهواء لا تتعدى الطلقتين وأخيرا إطلاق الثالثة صوب المهاجم مباشرة في حال عدم الإستجابة لتحذيرات الشرطة ٠ وتضيف المذكرة أنه ينبغي التصويب على الجزأ السفلي من الجسم ، كما يتعين على الشرطي الذي أقدم على هذا الإجراء تحرير محضر بالوقائع يضمنه التفاصيل وشهادة الشهود الذين عاينوا الوقائع في حال تواجدهم، أما إذا تسبب الحادث في وفاة الشخص المستهدف، فإن الشرطي المتسبب في الأمر يخضع لتحقيق معمق حول الحادث ، لكن متى يستخدم السلاح الناري ؟ لقد منح القانون لرجال الشرطة رخصة استخدام القوة واستخدام السلاح لمواجهة اى نشاط إرهابى و إجرامى، وحدد حالات وضوابط استخدام السلاح التي يجب على رجال الشرطة مراعاتها خلال تدخلاتهم، وفي مقدمتها الدفاع الشرعي أن يكون استخدام السلاح هو الوسيلة النهائية لأداء الواجب الوظيفي استخدام السلاح بالقدر المناسب والكافي لأداء الواجب الوظيفي وتحقيق استتباب الأمن . يجب التدرج في استخدام السلاح بما يحقق الأهداف الأمنية اى يجب استنفاذ طريقة التهديد والوعيد السابقة لاستخدام السلاح، كالتنبيه عن طريق مكبر الصوت، واستخدام غازات مسيلة للدموع ، أو إطلاق أعيرة في الهواء ، وإذا لم يمثثل يتم إطلاق أعيرة على الساقين، إلا في المواقف الأمنية الحاسمة ( كحوادث الإرهاب والاعتداء المباشر) فهنا رد الفعل يحتم استخدام السلاح مباشرة دون سابق إنذار، لكن ينبغي عند استعمال السلاح مراعاة الحيطة التامة والحذر، حتى لا يصاب أحد الأبرياء ، و يجب أن يكون التصويب عند إطلاق النيران بهدف الإصابة أولا، وليس القتل ، فإذا استمر المجرمون أو الهاربون في المقاومة باستخدام أسلحتهم أو محاولة الهرب فهنا يكون إطلاق النيران من الشرطة